نصب عبد الملك بن مروان الموائد يطعمُ الناس؛ فجلس رجلٌ من أهل العراق على بعض تلك الموائد.
فنظر إليه خادمٌ لعبد الملك فأنكره،
فقال له: أعراقيّ أنت؟
قال: نعم.
قال: أنت جاسوس؟
قال العراقي: لا.
قال: بَلَى.
قال: ويحك! دعني أتهنّأ بزاد أمير المؤمنين ولا تنغّصني به.
ثم إن عبد الملك وقفَ على تلك المائدة فقال: مَن القائل:
إذا الأرطى توَسّدَ أبردَيهِ
خدودُ جوازيءٍ بالرملِ عين
وما معناه؟ ومَن أجاب فيه أجزناه، والخادم يسمع.
فقال العراقي للخادم: أتحب أن أشرح َ لكَ قائله وفيمَ قاله؟
قال الخادم: نعم.
قال: يقوله عَديّ بن زيد في صفة البطيخ الرّمسي.
فتقدم الخادم إلى الخليفة وقال ذلك. فضحك عبد الملك حتى سقط.
فقال له الخادم: أخطأتُ أم أصَبْتُ، يا مولاي؟
فقال: بل أخطأتَ.
فقال: يا أمير المؤمنين، هذا العراقي فعلَ الله به هو الذي لقّنني ذلك.
فقال عبد الملك للعراقي: أنتَ لقّنته هذا؟
قال: نعم.
قال: أفخطأً لقّنتَه أم صواباً؟
قال: بل خطأً.
قال: ولِمَ؟
قال: لأني كنتُ متحرّماً بمائدتك فقال لي كيت وكيت، فأرَدتُ أن أكُفّهُ عنّي وأُضحككَ.
قال: فكيف الصواب؟
قال: يقوله الشمّاخ بن ضِرار الغطَفاني في صفة البقَر الوحشية قد جَزَأت بالرّطب عن الماء.
قال: صدَقتَ، وأجازَه، ثم قال له: حاجتَك؟
قال: تنحّي هذا الخادمَ عن بابِك فإنّه يشينُه!